حين نتحدث عن صناعة جيل فمؤكد أننا لا نقصد جيلا واحدا بعينه، بل إنما هي صناعة أجيال، سلسلة متواصلة تمتد لعدة أجيال، ربما تبدأ بجيل الأجداد فالآباء فالأحفاد!.
إن تربية الطفل إنما تبدأ بتربية أمه، وهذه الأم تحتاج هي أيضاً إلى تنشئة وتقويم، حتى تستطيع أن تقوم بطفلها وتصلحه، فوراء كل ابن صالح أم فاضلة أخذت به وأصلحته بعدما أصلحت من نفسها، وبذلك نجد أن صناعة جيل واحد فقط تحتاج لعمل جيلين فأكثر، وفي المقابل فإن عدم الحكمة في تربية جيل واحد فقط تؤدي إلى متاعب جيلين فأكثر..!
وأمام صناعة الجيل هناك العديد من العقبات التي تعترضنا أهمها هو نحن!، نعم نحن، فمشكلتنا هي أننا قد إتخذنا لأنفسنا دائما ًمبدأ المنطق التبريري، فتجدنا نقول مثلاً: إن سبب ما نحن فيه هم الآباء لأنهم لم يحسنوا تربيتنا، ثم لن ينصلح هذا الأمر إلا على يد الأجيال القادمة، وأخرجنا أنفسنا نحن من القضية!، كذلك إذا سألت أحد الآباء لماذا لا تربي نفسك، وتقوم بها وتصلحها؟ فهناك دائماً قائمة من الأعذار التي يسردها لك، وإذا سألت إحدى الأمهات لماذا لا تبني نفسك وتقوميها وتطوريها؟ أيضاً تجد هناك تلك الأعذار والمبررات!، فنحن دائماً نحسن إسقاط مرارة الفشل، فنقول: إن سبب ما نحن فيه هو الكبت.. الإستعمار.. الفقر...الخ، كل شيء إلا أنفسنا!؟، ونسينا أو تناسينا قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، فكي نستطيع أن نمضي خطوة في طريقنا لابد أن نتخطى أولاً هذه العقبة، بأن نبدأ بأنفسنا نحن، بالتربية والتقويم والتدرب على مهارات التربية الصحيحة، وهناك دور هام للمؤسسات التربوية والإجتماعية والخيرية من خلال وضع برامج توعوية، ودورات تأهيلية لكل فئات المجتمع -وكنت ومازلت أنادي بضرورة إدخال مادة تعليمية عن مهارات التعامل مع الآخرين وفنون التربية تُدَرَّس لجميع المراحل التعليمية كل حسب عمره- يكون ذلك كله ضمن خطة إستراتيجية للدولة تهدف إلى التثقيف التربوي. فعملية التربية تحتاج قبل ممارستها إلى تخطيط ودراسة وعلم، فهي عمل فني يحتاج إلى خبرة الممارس وعلم المربي، لابد فيه من العلم قبل العمل، وهذا هو منهج سلفنا الصالح -الإعتقاد السوي أساس العمل الصالح- فنجد مثلاً أن كثيراً من الأزواج يشرعون في التربية وهم لا يعرفون شيئاً عن أصول التربية، وتنشئة الأبناء تنشئة إسلامية وإيمانية رفيعة، أنت أيضاً أخي المربي-أختي المربية: هل حضرت دورات في فنون التربية؟ هل التحقت ببرامج تأهيلية لتثقيفك أسرياً وتربوياً؟ هل تعلمت كيف تربي قبل أن تصبح مربياً ويصبح لك أبناء؟؟
في إستبانة تم توزيعها على طالبات إحدى الجامعات بالرياض عن مدى التثقيف الأسري والتربوي لديهن، كانت نسبة الطالبات اللاتي سعين إلى التثقيف والتدرب والتطور لا تتجاوز 4%، بالإضافة إلى إنها محاولات ضعيفة ومحدودة لا تفي بالغرض، مما يبرز لنا مدى الأمُية التربوية لدى أهم شريحة من شرائح المجتمع، فمن المفترض أنهن مربيات الحاضر والمستقبل.
والعجيب أننا حينما نعين من يرعى أبناءنا لا نشترط فيه أبداً أن يكون لديه شهادات في تربية الأبناء، أن يكون فاهماً ملماً بطرق التربية السليمة، لديه مهارات في فن التعامل مع مخلوق فقير القدرات، متعدد الإحتياجات، لديه مشاعر وأحاسيس كالطفل، بينما تجدنا نشترط مثلاً في الطباخ أن يكون ماهراً ذا خبرة وتجربة، وفي السائق أن تكون لديه رخصة قيادة!!، ولا شك أن هذا من المفارقات العجيبة!
والمتأمل لكتب السير والتاريخ الإسلامي يرى كيف أن عظماء هذا الدين وعلى رأسهم محمد صلي الله عليه وسلم، تركوا لنا أروع قاموس لفنيات التعامل مع الأبناء، تركوا لنا منهجاً تربوياً متوازناً جديراً بأن يدرس في جميع المؤسسات التربوية.
كما أن منهجنا التربوي الإسلامي لا ينغلق على ذاته، بل يحث دائماً على الإستفادة من كل التراث الإنساني مادام هذا التراث يدخل في دائرة العلم النافع الذي لا يعارض حكماً ثابتاً أو أمراً معلوماً في الدين، فهو يحدد لنا الأصول الثابتة، ويدعونا للإستفادة من كل العلوم الحديثة، وأن نعتبر منها ما نراه إيجابيا ً مادامت تتماشى وروح الإسلام.
أخي المربي-أختي المربية فلنرجع إلى تراثنا ومناهجنا الإسلامية، ولنستفد جميعاً من الخير الذي في العلوم الحديثة، من علم النفس وغيره..، لاسيما التربوي منها، حتى نساعد أنفسنا على ممارسة العملية التربوية بشكل أفضل..
الكاتب: إيمان المهداوي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.